على أى حال، وحتى أريحك أقول لك:س لاشك أن منهجى الأول من ثانوى والثالث من ثانوى ـ للعام الدراسى 2013/2014 ـ قد وضعا بطريقة مغايرة لما دأب عليه واضعو هذه النوعية من المناهج فى السابق…ولاشك أيضا أن المنهجين ـ المذكورين ـ يتضمنان مقاربة جديدة لموضوعات حديثة، تندرج تحت عنوان الدراسات الوطنية، ولكن…قال لى صديقي: «آه من لكن، هات ما عندك»…
بداية، لابد من فهم أنه لابد من أن تكون هناك؛ على الرغم أولا:فلسفة حاكمة للمنهج تحدد «بدقة»: المفاهيم والاتجاهات والممارسات، المطلوب من الطلبة أن يتفاعلوا معها كمواطنين. ثانيا: الاجتهاد فى «التضفير» بين المفاهيم والاتجاهات والممارسات، فلا يتناقض المفهوم مع الاتجاه أو يتناقض كلاهما مع المطلوب أن يتبناه الطالب. ثالثا: الربط بين منهج التاريخ للسنوات المتعاقبة ـ تحديدا ـ ومنهج التربية الوطنية. وبمراجعة المنهجين المذكورين، أتصور ـ وعلى الرغم من الجهد المبذول لتقديم مناهج مختلفة من حيث: الفكر، واللغة، والموضوعات، والمصادر، والإخراج،…إلخ فإن هناك الكثير يمكن أن يقال حولهما، بغرض تطويرهما، خاصة مع الاتفاق الوطنى بأنه لا تقدم بغير تطوير منظومة التعليم.وعليه يمكن أن نشير ـ فى هذا المقام ـ إلى عدة ملاحظات فى ضوء مراجعتنا إلى هكذا مناهج فى كثير من الدول…
الملاحظة الأولى: يتضمن المنهج العديد من الموضوعات التى تتداخل فيما بينها، حيث لابد من التمييز بين الاقتراب من هذه الموضوعات من منظور المواطنة، أو منظور التربية المدنية، أو من منظور حقوقى أو قانوني، أو من منظور التثقيف السياسي، أو من منظور حضاري. فكل منظور مما سبق له زاوية النظر الخاصة به، ومن ثم ما يترتب على ذلك فى الواقع العملي.
الملاحظة الثانية: فلو أخذنا مفهوم المواطنة مثلا على سبيل المثال وكيف تم التعاطى معه، سوف نجد ما يلي: هو غلبة البعد الدستورى القانونى والأخلاقى على تفسير المصطلح. لذا يشار فى منهج أولى ثانوى (ص33) إلى أن المواطنة «سلوك حضارى»…وهو تعريف ليس شائعا فى أدبيات المواطنة ، بحسب ما أعرف…والقطعى أن هناك اجتهادات معتبرة تميز بين: الوطنية والمواطنة، وبين النظرة السكونية أو التبشيرية للمواطنة فى المطلق وبين المواطنة باعتبارها حركة دءوب نحو تحسين وضع المواطن فى الواقع الاجتماعى إذا لم تنفذ نصوص الدستور/لم تفعل القوانين التى من شأنها تحقيق العدل بين الجميع…وهنا مربط الفرس، فمن واقع خبرات الآخرين، كان السؤال المحورى الذى يطرحه الطالب ماذا لو لم تتحقق المواطنة فى صورتها المثالية القيمية الأخلاقية المطلقة هل من حقنا أن نتمرد على الواقع وهل فى هذه الحالة لا نكون مواطنين صالحين…وبالتالى تميل الأدبيات إلى التحرر من النظرة التبشيرية إلى المواطنة إلى اعتبارها: «حركة المواطنين النضالية ـ التى لا سقف لها ـ أى المشاركة، من أجل المساواة على اختلافها، ليس فقط بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو العرق أو الدين، وإنما أيضا المكانة والثروة والجهة واللون والجيل،…،إلخ، والحصول على الحقوق بأبعادها: المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأخيرا الاقتسام العادل للثروة العامة للبلاد». وهو التعريف الذى اجتهدنا فى تقديمه مبكرا منذ منتصف التسعينيات نقل المفهوم إلى السياق المجتمعي/الطبقي/الاقتصادى (راجع مقالنا المواطنة بين من يملك ومن لا يملك فى مجلة اليسارـ باب نحو المواطنة ـ 1997، وكتابنا المواطنة والتغيير ـ 2006)، وأظنه يمثل نقلة لمقاربة المواطنة التى بدأها جدنا الطهطاوى فى صورتها التبشيرية، ولمقاربة النديم وطه حسين التى تعبر عن استجابة فكرية لواقع مأزوم، ولمقاربة دستورية وقانونية تاريخية طرحها كل من وليم سليمان قلادة وطارق البشرى فى إطار علاجهما لمسألة العلاقة بين المصريين من المسلمين والمسيحيين،…
الملاحظة الثالثة: وهى ملاحظة تدلل تطبيقيا على ما نحاول قوله. فلقد نجح منهج التربية الوطنية للصف الثالث الثانوى أن يقدم فصلا حول تاريخ ومسيرة حقوق الإنسان، ولم يستطع أن يقدم الجهد نفسه لحقوق المواطنة. ورغم إدراك المنهج إلى أن حقوق الإنسان هى نتاج توافقات الجماعة الإنسانية، فإنه لم يستطع أن يقترب من حقوق المواطنة وأنها أعقد من طرحها فى سياق قيمي، حيث إنها نتاج حركة المواطنين فى وطن بعينه تتحقق بجهدهم ونضالاتهم فى إطار السياق المجتمعى بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية/المدنية والثقافية، لأن المواطنة تكتسب من خلال الحركة…
الخلاصة هناك حاجة إلى إعادة النظر فى مقاربتنا لهذه النوعية من المناهج، مع تقديرى للجهد الحالى باعتباره نقلة نوعية…ونواصل.